قوة واحدة ونظام منفرد

يوما بعد يوم تؤكد الأحداث والتجارب أن العالم باتساعه الجغرافي ومكونه الديموغرافي أكبر من أن تسيطر عليه وتتحكم في مفاصله قوة واحدة ونظام منفرد، بل إن تحقيق النصر الساحق ضرب من ضروب الخيال.
في السياسة المعاصرة القائمة بشكل أساسي على المصالح الاقتصادية والجغرافية لا يوجد نظام سياسي يدخل طرفا في صراع مسلح دون تأييد ودعم وإمداد من شركائه وحلفائه لاسيما إن كان ذلك الصراع في مواجهة طرف منافس بشكل مباشر أو غير مباشر، ما يعني دخول الأطراف المتصارعة في حرب استنزاف لا نهاية لها، لكن وتيرة ذلك الدعم والإمداد ترتفع وتنخفض بحسب المكاسب والخسائر المحققة والنتائج والآثار المتوقعة، بل قد يصل الأمر إلى التدخل الخارجي في القرار الداخلي إذا ما اختلف وتغير المسار وأصبح في استمرار الصراع تهديدا لتلك المصالح، هذا ما جسده موقف الحلف الشرقي ( الصيني والروسي ) الداعم للحكومة الإيرانية التي تمثل له خط الدفاع الأول في مواجهة الحلف الغربي ( الأمريكي والأوروبي ) الداعم للحكومة الإسرائيلية.
بالرغم أن كلا الحكومتين تتغنى في الخارج بالنصر إعلاميا وسياسيا، إلا أن الوضع في الداخل ما كان ليكمل شهرا إلا وينفجر في وجه الحكومتين اجتماعيا واقتصاديا، فكلا المجتمعين بدأ يتألم ويتوجع في غضون أيام قليلة وباتا يشكلان عنصرا ضاغطا وعاملا مؤثرا في قرارات الحكومتين.
وفي مرحلة ما عندما أدرك الأطراف المتصارعين والحلفاء والشركاء الداعمين أنهم إلى الخسارة الباهظة التي لا شك ستطال مصالحهم الشخصية والاستراتيجية أقرب من الأهداف المرسومة والمعلنة، عادوا أدراجهم للتهدئة والبحث عن سلام سينمائي قابل للإخراج في شكل انتصار يحفظ ماء وجه الطرفين.
لكن بلغة الحسابات وعلى أرض الواقع فإن الحكومة الإسرائيلية التي مازالت تترنح في وحل غزة ويتهاوى قادتها الميدانيين على أيدي المقاومة، فقدت الكثير من بريق إمكاناتها العسكرية، والكثير من الثقة في قدرتها التوسعية، والكثير من المناصرين لادعائها المظلومية، الأمر الذي سيقلل من مكانتها ويضعف تأثيرها ونفوذها في المنطقة، أما الحكومة الإيرانية فقد تراجع نفوذها واخترق نظامها الأمني الداخلي بشكل فاضح يشكك في قدرتها على مواصلة طموحاتها والاستمرار في مشاريعها، الأمر الذي سيغير من توجهاتها.
السياسات الأمريكية التي أصبحت داعما وراعيا رئيسيا لأدوات القتل والتدمير في مناطق شتى من شأنها أن تخلق ردود فعل عكسية غير متوقعة، ومن ذلك تسارع وتيرة انتشار أسلحة الدمار الشامل التي لن يعجز انتاجها إنسان العصر الحديث بإمكانات متطورة، وقد انتجها إنسان العصر القديم بإمكانات بدائية.
اكتشاف المزيد من عين الإخبارية
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.