حين يصبح التراجع شجاعة

ليس كل تقدّم نصرًا، ولا كل تراجع هزيمة.
فهناك لحظات نادرة، عميقة،
يتحوّل فيها التراجع إلى فعل وعي،
ويصبح الانسحاب من الضجيج أعلى درجات الشجاعة.
حين يصبح التراجع شجاعة، نكون قد بلغنا مرحلة ناضجة من الفهم؛
أن نعرف متى نتوقّف،
ومتى لا نستمر فقط لأننا بدأنا.
أن ندرك أن الإصرار الأعمى قد يكون هروبًا مقنّعًا ، وأن الحكمة أحيانًا لا تقول: تقدّم…
بل تهمس بهدوء: كفى.
التراجع الشجاع لا يعني ضعف القلب،
بل قوته حين يرفض أن يُستنزف.
ولا يعني قلة الحيلة، بل وفرتها حين نختار الطريق الأقل وجعًا،
لا الطريق الأقل كرامة.
نحتاج شجاعة حقيقية لنتراجع عن علاقة نحبها لكنها تؤذينا ، عن فكرة آمنّا بها ثم اكتشفنا أنها لم تعد تشبهنا ، عن معركة نخوضها لأننا اعتدنا القتال ، لا لأننا ما زلنا نؤمن بالسبب.
فالتراجع شجاعة
حين يكون حفاظًا على الروح ، واحترامًا للذات،
واعترافًا ناضجًا بأننا لسنا مطالبين
أن نصل بكل الطرق إلى نهاياتها المؤلمة.
كم من أناس ظنّوا أن الثبات بطولة ، فثبتوا في أماكن ضاقت بهم وفي أدوار لم تعُد تناسبهم،
وفي أحلام تحوّلت إلى عبء ، ولو تراجعوا خطوة واحدة بوعي ، لأنقذوا أعمارًا كاملة من الاستنزاف.
وحين نتراجع بصدق ..
لا نفقد أنفسنا…
بل نستعيدها.
نخلع عن أرواحنا عباءة التكلّف ، ونسمح للهدوء أن يعودً ، وللصوت الداخلي أن يُسمع من جديد.
التراجع الشجاع لا يُعلن ، ولا يُصفّق له أحد ..
لكنه يترك في الداخل سلامًا نادرًا، ، يشبه أن تضع حملًا ثقيلًا ، بعد مسيرٍ طويل.
وفي النهاية ..
ليست الشجاعة أن نمضي دائمًا إلى الأمام،
بل أن نعرف متى نغيّر الاتجاه، ، ومتى ننسحب بكرامة ، ومتى نقول لأنفسنا بوعي العارفين:
التراجع هنا… ليس ضعفًا ..
بل عين الشجاعة ..
اكتشاف المزيد من عين الإخبارية
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.


