صناعة الأبطال الورقيين في زمن المنصّات

لم يعد البطل اليوم من ينجز عملاً عظيماً، بل من يُتقن كيف يرويه على المنصّات – تتكوّن الشهرة الرقمية بسرعة تفوق تكوين الفكرة نفسها، ويكفي مقطعٌ متقن الإخراج، أو منشور مزيّن بالعواطف ليولد ” بطل ” جديد في أعين المتابعين، وإن كان أثره الحقيقي لا يتجاوز حدود الشاشة.

تغذّي المنصّات هذه الظاهرة عبر خوارزميات تجعل الظهور بديلاً عن القيمة، وتحوّل التفاعل إلى معيارٍ للجدارة.
فكل إعجابٍ يُضيف طبقة من الورق حول الشخصية، حتى تُصبح سيرة مصقولة أكثر مما هي حقيقية.
وهكذا يُبنى ” البطل الورقي ” لامعٌ، سهل الترويج، سريع الذوبان.

المعضلة لا تكمن في المنصّات وحدها، بل في جمهورٍ يبحث عن قدوةٍ جاهزة لا عن تجربةٍ مُلهمة.
يتبنّى الجمهور أبطاله المؤقتين بشغف، ثم يتخلى عنهم مع أوّل موجة جديدة.

والنتيجة : مشهد يعجّ بالوجوه المعروفة والأسماء اللامعة، لكن بلا أثرٍ يُقاس ولا إرثٍ يُبنى.
إن البطولة الحقيقية لا تُقاس بعدد المتابعين ولا بقوة الظهور، بل بقدرة الإنسان على خدمة المعنى، وتحمل مسؤولية ما يقول ويفعل.

لا بأس أن يُسلّط الضوء، لكن الأخطر أن يصبح الضوء هو الغاية لا الوسيلة – صناعة الأبطال الورقيين خطر ثقافي يفرغ المجتمعات من رموزها الحقيقية – وحدهم الذين يعملون بصمت، ويُنجزون دون أن يطلبوا التصفيق، يكتبون بطولتهم بالحبر لا بالهاشتاق.


اكتشاف المزيد من عين الإخبارية

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى