الموظف بين الأمس واليوم ..!

كان الموظف في الأمس القريب يستيقظ مع الفجر، يتجه إلى عمله بخطوات واثقة، وهو يحمل في داخله قناعة راسخة أن عمله أمانة ومسؤولية. لم تكن بين يديه أجهزة ذكية ولا أنظمة إلكترونية، بل كان يعتمد على الورق والقلم، وعلى صبره وجلَده. ومع ذلك، كان ينجز مهامه بإخلاص يفوق الإمكانات المتاحة.

اليوم تغيّر المشهد؛ التقنية وفّرت للموظف كل ما كان يحلم به من سرعة وسهولة، ومع هذا نرى في بعض البيئات تراجعًا في الحماس، وازديادًا في الشكوى، وكأن وفرة الوسائل لم تُثمر وفرة في الإنتاجية –  فما الذي تغيّر؟ ولماذا ضعف الحماس وارتفع صوت التذمر؟

الموظف سابقًا: شرف المهنة قبل متاعبها

كان الموظف يرى في عمله رسالة وطنية وأخلاقية، لا مجرد وظيفة – قلة الوسائل وصعوبة الإجراءات لم تكن عائقًا، بل كانت حافزًا لإثبات الجدارة – الولاء للمؤسسة كان جزءًا من الهوية الشخصية؛ فالموظف يقضي سنوات عمره في نفس المكان.

الإنجاز كان يُقاس بالضمير، والإتقان كان يُقدَّم بروح الفخر لا بشكوى.

الموظف اليوم: وسائل متقدمة ورضا متراجع

التقنية سهّلت كل شيء: أنظمة رقمية، بريد إلكتروني، تطبيقات ذكية ورغم ذلك، يعيش بعض الموظفين حالة من الفتور واللامبالاة.

تتكرر العبارات: “الضغط كثير”، “لا يوجد تقدير”، “الراتب لا يكفي”.

أصبح الدافع للعمل أقرب إلى المنفعة المادية منه إلى رسالة مهنية.
لماذا تراجعت الدافعية وكثرت الشكوى؟

1. غياب التقدير: لا كلمات شكر ولا تحفيز يوازي الجهد المبذول.
2. ضغط الإنجاز: التقنية جعلت الإدارة تطالب بالمزيد، في وقت أقل.
3. ضعف الانتماء: لم يعد الموظف يربط نفسه بمكان واحد، بل ينتقل حيث المصلحة.

4. ثقافة المقارنة : وسائل التواصل زرعت شعورًا بالنقص وعدم الرضا عن الراتب أو المزايا.

5. فقدان البعد الرسالي حين يتحول العمل إلى مجرد “راتب آخر الشهر”، يذبل الحماس ويزداد التذمر.

المفارقة بين الموظف سابقًا والموظف اليوم ليست في حجم الوسائل، بل في حجم الضمير. الموظف القديم عمل بجهد وإخلاص رغم قلة الأدوات، بينما الموظف الحديث يملك أدوات هائلة لكن الحافز الداخلي ضعُف.

وهنا يأتي دور المؤسسات والقيادات في إعادة بناء ثقافة العمل : ثقافة تُعلي قيمة الإتقان، تُقدّر الجهد، وتُعيد إلى الموظف شعوره بأن عمله ليس مجرد التزام وظيفي، بل رسالة حياة – فالوسائل الحديثة نعمة، لكنها بلا دافعية داخلية تتحول إلى عبء يثقل الموظف ويزيد من شكواه بدل أن يرفع من إنتاجيته.


اكتشاف المزيد من عين الإخبارية

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى