غذاء أطفالنا .. واقع مؤلم لا يمكن تجاهله

في كل صباح، يتوجه أطفالنا إلى مدارسهم حاملين أحلامهم الصغيرة، لكن بعضهم يحمل أيضًا حقيبة مليئة بالسكريات، والمشروبات الغازية، والشيبس… وجبات سريعة تملأ المقاصف المدرسية وتغزو محيط المدارس دون رقيب أو وعي.
وحين نرى طفلًا لا يتجاوز العاشرة يحمل إبرة الأنسولين في طريقه إلى المدرسة، نُدرك أن الخطر لم يعد قادمًا… بل أصبح بيننا.
واقع مؤلم لا يمكن تجاهله
تقرير وزارة الصحة السعودية لعام 2023 يؤكد أن واحدًا من كل خمسة أطفال في المملكة يعاني من السمنة أو زيادة الوزن.
كما أشار الاتحاد الدولي للسكري (IDF 2024) إلى أن المملكة تحتل المرتبة الثانية عربيًا في إصابة الأطفال بالسكري من النوع الأول – هذه الأرقام ليست مجرد إحصاءات طبية، بل جرس إنذار اجتماعي يهدد مستقبل أجيالنا القادمة.
ورغم الجهود المبذولة من الجهات الصحية، إلا أن الواقع اليوم يُظهر غيابًا واضحًا للتكامل بين الجهات المعنية – فالمقاصف المدرسية ما زالت تقدّم وجبات غير صحية، والرقابة على مكونات الأغذية ضعيفة، والمطاعم المحيطة بالمدارس تبيع منتجات عالية السكر والدهون بلا قيود واضحة.
الأسرة .. البداية الأولى للتغيير
البيت هو أول معمل صحي لتكوين العادات الغذائية – لكن كثيرًا من الأمهات يجهلن حجم الخطر الكامن في بعض الأطعمة المصنعة التي يستهلكها أطفالهن يوميًا.
السكريات الزائدة، العصائر الصناعية، المعلبات، والمشروبات الغازية أصبحت جزءًا من حياة الطفل اليومية دون إدراك لمخاطرها.
وهنا تبرز الحاجة إلى تثقيف الأمهات والآباء، عبر برامج توعوية ومبادرات مجتمعية تشرح بطريقة عملية كيف يمكن إعداد وجبات صحية في المنزل، وكيف نُنمّي لدى الطفل ثقافة “اختيار ما يفيده لا ما يُغريه”.
المدرسة .. شريك أساسي في الوعي الصحي
لا يمكن الحديث عن غذاء الأطفال دون النظر إلى بيئة المدرسة ، فالمدرسة ليست فقط مكانًا للتعليم الأكاديمي، بل هي مؤسسة تربوية تُغرس فيها قيم الحياة الصحية.
إلزام المقاصف المدرسية ببيع منتجات غذائية متوازنة، ووضع ضوابط واضحة على المتعهدين، مسؤولية لا تقبل التساهل.
كما أن دمج مفاهيم التغذية الصحية في المناهج الدراسية أصبح ضرورة وطنية، لا خيارًا تربويًا.
الهيئات والجهات الرسمية… دور ينتظر التفعيل – هيئة الغذاء والدواء مطالبة بتشديد الرقابة على الأغذية المخصصة للأطفال ومتابعة مكوناتها ومصادرها.
وزارة التعليم مسؤولة عن ضبط المقاصف وإعادة تأهيلها تحت إشراف مختصين في التغذية.
وزارة الصحة يقع على عاتقها فحص مبكر للأطفال المعرّضين للسكري والسمنة وإطلاق حملات توعوية للأسَر.
البلديات والجهات الرياضية مطالبة بتهيئة بيئات صحية خالية من مطاعم الوجبات السريعة حول المدارس وممرات المشي.
إن غياب التنسيق بين هذه الجهات يضاعف المشكلة، ويحوّلها من قضية وقائية إلى أزمة علاجية تتطلب ميزانيات ضخمة وأدوية مدى الحياة.
وعي اليوم… أمان الغد ..
حين نُعلّم أبناءنا حب الخضروات كما نُعلّمهم حب الألعاب ..
وحين تصبح زجاجة الماء رمزًا للتميز أكثر من علبة العصير ..
وحين يدرك الطفل أن الغذاء الصحي يعني جسدًا قويًا وذهنًا حاضرًا، حينها فقط يمكن أن نطمئن على مستقبل جيلٍ معافى.
المسؤولية لا تقع على جهة واحدة، بل هي شراكة وطنية بين الأسرة، المدرسة، والجهات الرقابية.
ولن يتحقق الأثر إلا بوعيٍ حقيقي يبدأ من البيت وينتقل إلى المؤسسات، ليصبح الغذاء الواعي ثقافة مجتمع لا مجرد مبادرة مؤقتة.
إن الأمن الصحي لا يقل أهمية عن الأمن الوطني، وغذاء أطفالنا هو خط الدفاع الأول عن مستقبل الوطن – فلنعمل جميعًا — أسرًا، مؤسسات، وهيئات — على بناء جيلٍ يعرف ماذا يأكل… قبل أن يعرف ماذا ينجح فيه.
اكتشاف المزيد من عين الإخبارية
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.




