من قلب العاصفة الهادئة

ليست كلّ العواصف صاخبة، بعضها يأتي بصمتٍ يشبه الهدوء، لكنه يحمل في داخله ارتجاجًا لا يُرى، تظنّ أنك في سكينة، بينما تُعيد حياتك ترتيب ذاتها من الداخل، كمن يقف في مركز الإعصار، حيث الهدوء خدعةٌ مؤقتة، والسكون بداية التحوّل.
نحن نعيش في زمنٍ تكثر فيه العواصف الهادئة: قرارات مصيرية تُتخذ دون ضجيج، قلوب تنكسر بصمت، أفكار تنقلب في عمق العقل دون أن تُحدِث صوتًا ولأننا نقيس شدّة الأشياء بما نسمع، فإننا لا ندرك أن أشدّ المعارك تُخاض في الداخل، لا في العلن.

من قلب العاصفة الهادئة، تُختبر معادن النفوس، وتُفرز الأصوات التي تتكلم بالعقل عن تلك التي تصرخ بالعاطفة.
هناك، في المساحة بين الهدوء والعصف، ينكشف جوهر الإنسان : هل هو من أولئك الذين يركضون مع الريح، أم من الذين يصنعون توازنهم في وسطها ؟

إن الهدوء الذي يلي العاصفة لا يأتي بالصدفة، بل يولد من شجاعة من وقفوا في مركزها دون أن يُغريهم الهروب.
فمن عرف كيف يهدأ وهو في قلب الإعصار، هو وحده من يتقن فنّ القيادة في زمن التقلّبات، وفنّ الصمت حين يعلو الصخب.

العواصف الهادئة لا تدمّرنا… بل تكشفنا، تُزيل عنّا ما لم يكن راسخًا، وتمنحنا وعيًا جديدًا لا يمكن أن ينشأ في أيامٍ عادية.
هي رسائل الوجود حين يريد أن يقول لنا: لكي تبقى، يجب أن تتغيّر، في النهاية

العاصفة الهادئة ليست خطرًا يجب تجنّبه، بل فرصةٌ للإنصات إلى صوت الحقيقة وسط انهيار الأصوات الأخرى.
ففي لحظة الصمت تلك، حين يتوقّف كل شيء، يولد الحوار المفقود، بين الإنسان وذاته.


اكتشاف المزيد من عين الإخبارية

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى