إلى متى يكون الإخلاص عبئًا .. والتسيّب ميزة ؟

في مشهدٍ يتكرر في بعض الإدارات، يقف الموظف المنضبط كجندي مجهول. يحضر قبل الوقت، ينجز مهامه بإتقان، يتحمل المسؤوليات الثقيلة، ويُعوَّل عليه في الأزمات. ومع ذلك، يُترك في الصفوف الخلفية، تُهضم حقوقه، وتتأخر مكافآته، وكأن الإخلاص الذي يقدمه صار عبئًا يُعاقب عليه.

وعلى النقيض، يتصدر المشهد موظف آخر يعرفه الجميع بلقب “المبزوط”. يتأخر عن الدوام، يغيب متى شاء، يتنصل من الواجبات، لكنه الأجرأ في المطالبة بحقوقه. يضغط ويُطالب فلا يخرج إلا محمّلًا بحقوقه كاملة، بل بامتيازات إضافية لم يقدّم في سبيلها شيئًا. والنتيجة: إدارة تكافئ التسيّب وتخذل الانضباط، في معادلة مقلوبة لا تعكس سوى غياب العدالة.

رغم هذا الواقع، هناك بعض مديري الإدارات الذين يسعون جاهدين لتعديل الوضع، لضمان حقوق المخلصين وإنصافهم، لكن القيود الإدارية والمحيط المؤسسي المحكم يمنعونهم من اتخاذ أي خطوة حقيقية. فتظل محاولاتهم محاصرة، وصوتهم خافتًا أمام منظومة تُعلي من شأن المبزوط وتترك المنضبط بلا سند.

هذه السياسة، سواء كانت مقصودة أو نتيجة تراكم الإهمال، تُنتج بيئة عمل مشوّهة؛ بيئة يكسر فيها المخلص ويُعلي شأن المبزوط. وحين يشعر الموظف الجاد أن جهده لا يُقدَّر، وأن التسيّب يُغدق بالمكاسب، يذبل الحافز، وينهار مبدأ القدوة الحسنة، وتُفتح الأبواب واسعة أمام الرداءة.

إن استمرار هذا النهج يعني أن الإدارات تدفع ضريبة غالية من رصيدها قبل أن يدفعها موظفوها. فالمنضبطون حين يفقدون إيمانهم بالعدالة، لن يظلوا عماد العمل، والمبزوطون مهما مُنحوا من امتيازات لن يصنعوا إنجازًا، ولن يحفظوا سمعة.

لقد آن الأوان لمواجهة هذا الخلل بقرارات حاسمة: حقوق المخلص كاملة بلا مماطلة، ومحاسبة المتسيّب بلا مجاملة. فلا نجاح يُبنى على ظلم، ولا بيئة عمل تستقر على ميزان مقلوب.

ختامًا : 
إلى أن يُنصف المخلص، سيبقى التسيّب ميزة… والإخلاص عبئًا. هذه الحقيقة المرّة هي العدو الأكبر لأي إدارة تطمح للنجاح.

همسة 
ويبقى السؤال المؤلم معلقًا : إلى متى يكون الإخلاص عبئًا… والتسيّب ميزة؟


اكتشاف المزيد من عين الإخبارية

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى