كيف نصبح ما يتوقعه الاخرون !

الهوية المستأجرة ليست مجرد تنازل مؤقت عن جزء من الذات، بل عملية تغييب متدرج لصوت داخلي يملك الحق في الظهور.
تبدأ الحكاية عادة من لحظة صغيرة، مجاملة نقولها بلا اقتناع، موقف نساير فيه الجمع، رأي نؤجله خوفا من رد فعل، ثم يتحول هذا السلوك المتكرر الى نمط حياة يصنع لنا صورة لا نملكها، لكنه يصبح واجهتنا امام العالم.
يعيش كثيرون في قوالب صممها الاخرون لهم:
الابن المثالي، الموظف الذي لا يخطئ، القائد الذي لا يتردد، المرأة التي يجب ان تكون نسخة من توقعات المجتمع، والرجل الذي لا يحق له الضعف.
ومع الوقت، يتحول الثناء الخارجي الى معيار يقيس به الفرد قيمته، فيتراجع السؤال الجوهري:
من انا..؟؟
ويحل مكانه سؤال اكثر ايلاما : ماذا يريدون مني..؟؟
المشكلة لا تكمن في التكيف، بل في التورط الكامل الذي يمحو الحدود بين الذات الحقيقية والذات المصنوعة.
وعندما يصبح القناع اكثر حضورا من الوجة، يفقد الانسان قدرته على التمييز بين ما يريده فعلا وما يفرضه عليه السياق.
هنا تبدأ الهوية في الانكماش، وتتحول الحياة الى أداء متواصل لا استقرار فيه.
في العمل، تظهر الهوية المستأجرة عندما يتحول الموظف الى مرآة لثقافة المؤسسة، لا لطاقته الحقيقية، فبدلا من الابداع، يلجا الى التمثيل، وبدلا من التعبير، يختار الصمت الذي يضمن له البقاء.
وفي العلاقات الاجتماعية، يصبح الشخص نسخة من توقّعات العائلة والأصدقاء، بينما يبتعد تدريجيا عن ذاته التي يعرفها فقط في لحظات الانفراد.
استعادة الهوية لا تحتاج ثورة، بل شجاعة هادئة.
شجاعة في قول “لا” حين يكون قولها حماية للنفس، وفي قول “نعم” لما يشبه القلب، لا لما يريده الجمهور.
تذكروا يا سادة:
أن الهوية التي نصنعها لأنفسنا تدوم، اما الهوية المستأجرة فتنهار بمجرد ان يتغير مزاج من استأجرها.




