هيبة التواضع

في دروب الحياة، نصادف وجوهًا شتى؛ منهم من إذا تحدث رفعك بحكمته وعلمه، ومنهم من يهبط بك إلى درك الضجيج والسطحية. وبين هؤلاء وأولئك، يتجلى الفارق الكبير بين من يبني أثرًا خالدًا، ومن لا يترك سوى كلمات جوفاء تتلاشى مع الزمن.
الحمقى .. ضجيج بلا معنى
ليس في الجهل عيب، فما خلق الله الإنسان إلا طالبًا للمعرفة – العيب أن يتجاهل المرء ما تعلمه، أو أن ينتقص من علم غيره ليخفي عجزه. ولعل أكثر ما يميز الحمقى أنهم يظنون أن رفع شأنهم يتحقق بإسقاط غيرهم، فيستهزئون ويسخرون، بينما لا يكشفون بذلك إلا فراغهم الداخلي.
وقديمًا قيل: “من جهل شيئًا عاداه”، وهذا عين ما نراه حين يواجه الحمقى الحكمة بالرفض والسخرية.
العظماء .. رفعة بالتواضع
أما العلماء والمثقفون العظماء، فكلما ارتقوا في مدارج العلم، ازدادوا تواضعًا. يعرفون أن العلم رسالة، وأن قيمته الحقيقية في نشره لا احتكاره. تراهم يقابلون الجهل بالحلم، وينشرون المعرفة برفق، وكأنهم يضعون تاجًا من التواضع فوق هاماتهم.
يقول الإمام الشافعي: “كلما ازددت علمًا، ازددت علمًا بجهلي – هكذا يعلّمنا الكبار أن العلم كلما تعمق بصاحبه، زادته الحكمة تواضعًا.
قصص تخلّد أثر العظماء
الإمام مالك بن أنس: كان يجلّ طلابه ويستقبلهم بابتسامة، حتى قالوا عن مجلسه: “كنا نهاب هيبته كهيبة الملوك، لكننا نجد فيه رحمة الوالد وتواضعه.”
أينشتاين: رغم عبقريته التي غيّرت وجه الفيزياء، قال عن نفسه: “أنا لا أملك موهبة خاصة، إنما أنا فضولي بشغف.” جعل نفسه في مصاف المتعلمين لا المتعالين.
أحمد زويل: بعد نيله جائزة نوبل، عاد إلى مدارس مصر ليلتقي بطلاب بسطاء، يتحدث معهم بلغتهم، ويبث فيهم الأمل.
هذه النماذج تبين أن العظمة لا تُقاس بكم ما تملك، بل بكيف تعامل الآخرين بما تملك.
بين الحمقى والعظماء
الحمقى: يستهلكون حياتهم في ضجيج الانتقاص، فلا يتركون إلا فراغًا.
العظماء: يخلّدون أثرهم بعلم وتواضع، فيبقى ذكرهم حيًا ما دامت البشرية.
المزري حقًا ليس أن تجهل، بل أن تعلم ثم تنتقص من غيرك أو تنسى ما تعلمته. والرقي ليس في كثرة الشهادات ولا في علو المكانة، بل في التواضع الذي يرفعك في أعين الناس، وفي الأثر الذي تتركه بعد رحيلك.
فبين ضجيج الحمقى ورفعة العلماء، يظل التواضع هو المعيار الفاصل؛ معيار من يترك أثرًا خالدًا، ومن لا يخلّف وراءه سوى صدى عابر يتلاشى مع الزمن.
“العلم يرفع بصاحبه حين يكسوه بالتواضع، أما الغرور فلا يورث إلا سقوطًا ونسيانًا.”
اكتشاف المزيد من عين الإخبارية
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.