خميس بن رمثان : ذاكرة الصحراء وبوصلة النفط لأكثر من 6 عقود

ارتبط اسم خميس بن رمثان العجمي -رحمه الله- بالبدايات الأولى لصناعة النفط في المملكة العربية السعودية، وأصبح رمزًا وطنيًا في مسيرة الاكتشاف والتأسيس، بعد أن أسهم بجهوده وخبرته الفريدة في إنجاح أعمال التنقيب منذ الثلاثينيات الميلادية؛ ليبقى اسمه حاضرًا في الذاكرة الوطنية مع كل حديث عن اكتشاف النفط.

وفي التاسع والعشرين من مايو 1933م، وجّه الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود –رحمه الله– وزير ماليته الشيخ عبدالله السليمان الحمدان، بتوقيع اتفاقية الامتياز مع شركة ستاندرد أويل أوف كاليفورنيا (سوكال)، قائلًا عبارته الشهيرة: “توكل على الله ووقّع”.

وقد تضمنت الاتفاقية شرطًا نص على مراعاة توظيف المواطنين السعوديين متى ما أمكن ذلك، وهو ما أسس مبكرًا لسياسة وطنية تقوم على إشراك الكفاءات المحلية في صناعة النفط الناشئة، وأتاح للأجيال اللاحقة فرصًا واسعة للتأهيل والمشاركة.
ومع بدء أعمال التنقيب شرق المملكة، برز خميس بن رمثان كأحد أهم الأدلاء الذين استعانت بهم البعثة الجيولوجية، واختير عام 1351هـ/1933م لمرافقة فريق “سوكال” لما عُرف عنه من موهبة فريدة في قراءة تضاريس الصحراء ومعرفة الاتجاهات، مستعينًا بحركة النجوم والكواكب بالليل، وبذاكرة مدهشة مكّنته من تُذكر المواقع والآبار حتى بعد سنوات طويلة، وقد أدهش الجيولوجيين بقدرته على قيادة الفريق وسط الصحارى، ومساعدتهم في اختيار وتحديد المواقع المحتملة للتنقيب، ورسم الخرائط الأولية للمنطقة.

واستمر البحث عن النفط خمسة أعوام متواصلة، حتى جاء عام 1938م، حيث أُتيح لرئيس التنقيب ماكس ستاينكي فرصة أخيرة لمواصلة الحفر في بئر الدمام رقم 7 (بئر الخير)، وبدعم وإصرار فريقه، ومن بينهم خميس بن رمثان، تحقق الاكتشاف التاريخي في مارس 1938م، حين تدفق النفط بكميات تجارية للمرة الأولى في تاريخ المملكة.

وبعد ذلك بعام، وفي الأول من مايو 1939م، شهد الملك عبدالعزيز -رحمه الله- احتفال تعبئة أول ناقلة نفط من ميناء رأس تنورة، في يوم أصبح علامة فارقة ربط المملكة بالعالم الصناعي، ومهّدًا لانطلاقة كبرى في مسيرة التنمية.

واصل خميس بن رمثان عمله مع شركة “أرامكو” (سوكال سابقًا)، وعُيّن موظفًا رسميًا عام 1942م، وظل يعمل مع فرق الجيولوجيين حتى أواخر الخمسينيات الميلادية، كما عمل في مركز الأبحاث العربية التابع للشركة وأسهم في أنشطته، وكان له دورٌ بارزٌ في إطلاق أسماء لعدد كبير من المواقع والجبال التي ما زالت تعرف بها حتى اليوم، في إسهام يعكس دوره في التأسيس المعرفي والجغرافي لصناعة النفط.

ووثَّق معالي وزير البترول والثروة المعدنية الأسبق المهندس على النعيمي في كتابه (من البادية إلى عالم النفط) أثر خميس بن رمثان، وذكر أنه كان نموذجًا لقدرة السعودي على العمل جنبًا إلى جنب مع الجيولوجيين والمهندسين الأجانب، مبرزًا ذكاءه ومهارته التي أكسبته احترام الجميع.

كما نقل الجيولوجي الأمريكي توماس بارجر في كتاب «تحت القبة الزرقاء» وصفًا دقيقًا لقدرته على الاهتداء في الصحراء، مؤكدًا أن خميس لم يكن يضل الطريق أبدًا، إذ امتلك حاسة فريدة تشبه البوصلة الداخلية، وذاكرة مدهشة تمكنه من تذكر تفاصيل المواقع.

استمر خميس بن رمثان في عمله حتى وفاته عام 1959م وهو على رأس العمل في “أرامكو”، وتقديرًا لعطائه، أطلقت الشركة اسمه على حقل “رمثان” الذي اُكتشف عام 1974م على بُعد 95 كيلومترًا شرقي القيصومة، وفي عام 2017م دشَّنت ناقلة النفط “رمثان” تيمنًا باسمه، في احتفال رفع خلاله العلم السعودي على سارية الناقلة.

وأكَّد شبيب بن محمد العجمي، حفيد خميس، لـ”واس” أن جدة كان مثالًا في الإصرار والعمل وسط ظروف صعبة، حيث كان يقطع الصحارى الوعرة ويقود الفرق الجيولوجية بدقة اعتمادًا على النجوم والذاكرة، ويتمتع بقدرة نادرة على تحديد المواقع التي تحوّلت لاحقًا إلى أساس صناعة النفط.

وأفاد أن من أبرز إنجازاته إسهامه في رسم خرائط المنطقة الشرقية وإطلاق أسماء لجبال وأماكن ما زالت متداولة حتى اليوم، فضلًا عن التزامه بالعمل المتواصل حتى وفاته، مبينًا أن هذه الصفات جعلت منه رمزًا وطنيًا يُلهم الأجيال في مواجهة التحديات وصناعة المستقبل.

وتُجسّد سيرة خميس بن رمثان قصة وطنية ملهمة تعكس روح العزيمة والإقدام التي عُرف بها أبناء المملكة منذ بدايات رحلة التوحيد والبناء، فقد جمع بين معرفة الصحراء وخدمة وطنه، وأسهم في إنجاح واحدة من أهم المراحل التاريخية التي غيّرت وجه المملكة وربطتها بالعالم.

ويظل اسمه شاهدًا على أن الاستثمار في الإنسان السعودي هو أساس كل إنجاز، ورسالة للأجيال بأن الإرادة والمعرفة قادرتان على فتح آفاق جديدة، وهو ما عبّر عنه صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد رئيس مجلس الوزراء بقوله: «همة السعوديين مثل جبل طويق، ولن تنكسر إلا إذا انهد هذا الجبل وتساوى بالأرض».


اكتشاف المزيد من عين الإخبارية

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى