رفقاً بالقواير بعد ليلة العمر

يسمونها “ليلة العمر”، ليلة ينتظرها الجميع بلهفة، ويُجهّز لها البيت بأسابيع من التعب والفرح والترتيبات.

تنشغل العروس بفستانها، زينتها، تفاصيلها الصغيرة، وأحلامها الكبيرة – وتنشغل الأسرة بكل شيء… من القاعة إلى الضيافة، من التصوير إلى الاستعداد للضيوف.

لكن وسط هذا الانشغال… هناك شيء لا يُرتب، ولا يُذكر، ولا يُقال : إنه الغياب ، فحين تنتهي الليلة، وتعود الأسرة إلى البيت، يخفت صوت الموسيقى، وتتوقف الضحكات، وتبقى الحقيقة الكبيرة:

“ابنتنا لم تعد هنا.”

البيت بعد العُرس :

كان كل شيء يذكر بها…

غرفتها، زجاجة عطر على الرف، مقعدها على طاولة الطعام، صوتها حين تُنادينا…

كل شيء بقي مكانه، إلا هي.

تسأل الأم نفسها دون صوت :

“هل فعلاً تزوجت؟  هل خرجت من بيننا؟!”

يتسلل الحنين إليها كالموج، فتشتاق لضحكاتها، لحديثها، لنظراتها، حتى لخلافاتها.

أما الإخوة والأخوات…

فقد فقدوا قطعة من يومهم، تلك التي كانت تشاركهم المزاح، وربما تزعجهم أحيانًا، لكنها كانت بينهم دومًا.

تمر اللحظات ثقيلة ..

وتبدأ مشاعر الغياب تتشكل : ليس حزنًا على الفقد، بل حزنًا على التغيّر ، فما بعد الزواج ليس كما قبله، والبيت الذي يفتقدها، لن تعود إليه كما كانت.

والعروس .. في بيتها الجديد :

في الجانب الآخر…

تبدأ العروس حياتها من جديد.

كل شيء مختلف: المكان، الوجوه، النظام، المسؤوليات ، ورغم الفرح، إلا أن في داخلها قلقًا وارتباكًا وخوفًا من أن لا تكون كما يُتوقّع منها – تتعلّم من يومها الأول كيف تتعامل، كيف تفهم، كيف تبني، وكيف تخطئ وتتعلم.

إلى أهل الزوج :

قد لا يشعر أحدٌ بما تشعر به هذه العروس ، فهي ليست مجرد “عروس جميلة”، بل فتاة خرجت من بيتٍ أحبها بكل ما فيه 

خرجت من حضن أمٍّ تُقبّل جبينها كل صباح، ومن بيتٍ اعتاد أن يُسألها عن نومها، طعامها، مشاعرها.

أنتم الآن بيتها الجديد ، فكونوا رحمة لها، تفهّمًا لصغر تجربتها، دعمًا لنموها، تغاضوا إن أخطأت، واسندوها إن تعثرت، فما بين أيديكم ابنةُ قلوبٍ تدعو لها كل ليلة.

رسالة إلى الزوج… من قلبٍ ودّع ابنته :

يا من اختارتك ابنتنا شريكًا لدربها، ووضعت يدها بيدك في ليلة العمر…

نُدرك أنك اليوم رجلٌ جديد في حياة كانت من نصيبنا بالأمس،

وأنك صرتَ البيت والمأوى، والكتف الذي تميل عليه في تعبها، والخيمة التي تستظل بها حين تخاف.

نثق بك… كما وثقت هي، ونوصيك بها… كما يوصي القلب قلبًا غاليًا عليه.

هي لم تأتِ إليك لتكون كاملة … بل جاءت لتكتمل بك، ولتتعلم معك ، فلا تؤذِها حين تخطئ، ولا توبخها حين تجهل، ولا تُقلّل منها إن خانتها التجربة.

وقد قال نبينا ﷺ:  “رِفقًا بالقوارير.” رواه البخاري.

فكن لها سترًا وأمانًا، ورفيقًا لا قاسيًا،

وإن ضاقت بها الدنيا يومًا، كن أنت سَعتها.

نحن لا نطلب أكثر من أن نطمئن أنها بخير…

وأنك تحسن إليها كما أحسنا تربيتها،

 

 

 


اكتشاف المزيد من عين الإخبارية

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى