العزلة الاجتماعية اختيار أم هروب ؟

كان المجتمع العربي فيما مضى يعيش دفء القرب والترابط، فالجار يتفقد جاره، والأقارب يتواصلون بزيارات عفوية بلا مواعيد رسمية أو تكاليف مرهقة. أما اليوم، فقد تغيّر المشهد: أبواب مغلقة، وغرف ضيوف لا تُفتح إلا نادرًا، ولقاءات محدودة تكاد تقتصر على المناسبات. والمفارقة أن وسائل المواصلات أصبحت أيسر، ووسائل التواصل متاحة على مدار الساعة، ومع ذلك تراجعت اللقاءات وتباعدت النفوس. فما الذي غيّر ملامح العلاقات الاجتماعية حتى أصبح الغياب هو السائد؟
الأسباب وراء الانسحاب الاجتماعي
1. التجارب السلبية السابقة : كثيرون تعرضوا للحسد أو الأذى جراء زيارات سابقة، فآثروا الابتعاد حفاظًا على سلامتهم النفسية.
دراسة لجامعة الملك سعود (2023) أشارت إلى أن 37% من المشاركين قللوا زياراتهم الاجتماعية بسبب تجارب شخصية سلبية.
2. التدخل في الخصوصيات : كثرة الأسئلة حول الحياة الزوجية، تربية الأبناء، أو الوضع المادي تجعل بعض الأفراد يفضلون الانعزال على مواجهة الإحراج.
يقول الأخصائي الاجتماعي د. عبد الله الحربي: “التطفل اللفظي في المجالس أحد أبرز أسباب الانطواء الاجتماعي، خاصة لدى الأشخاص ذوي الحساسية العالية”.
3. المقارنات الاجتماعية المرهقة : المقارنة في البيوت، السيارات، الوظائف، وحتى تحصيل الأبناء الدراسي تخلق أجواء تنافسية سلبية تسلب اللقاءات دفئها – دراسة بجامعة هارفارد (2022) بيّنت أن المقارنات المستمرة تزيد معدلات القلق والاكتئاب بنسبة تصل إلى 25%.
4. تكاليف الضيافة : العرف الاجتماعي الذي يربط الزيارة بوجوب الضيافة الباذخة جعل بعض الأسر تتجنب الدعوات لتفادي الإرهاق المادي والبدني.
5. إيقاع الحياة السريع : انشغال الأفراد بين العمل والدراسة والمسؤوليات جعل الزيارات الاجتماعية في آخر قائمة الأولويات.
6 : الأثر الاجتماعي والنفسي
تفكك الروابط الأسرية : تباعد الأجيال وغياب الذكريات المشتركة.
زيادة مشاعر العزلة : رغم الارتباط الافتراضي على وسائل التواصل، إلا أن العزلة الواقعية تتسع.
انخفاض الدعم النفسي والاجتماعي: غياب اللقاءات يقلل فرص المساندة وقت الأزمات.
الحلول المقترحة
– تبنّي ثقافة الزيارة الخفيفة بلا تكاليف مرهقة.
– احترام الخصوصيات وتجنّب الأسئلة المحرجة.
– الحد من المقارنات وتشجيع المحبة والرضا.
– تخصيص وقت منتظم للقاءات العائلية ولو لفترات قصيرة.
خاتمة
العزلة الاجتماعية ليست مجرد تبدّل في العادات، بل هي مؤشر على ضعف الروابط الإنسانية التي تُشكّل أساس المجتمع. إذا أردنا إعادة الدفء لبيوتنا، فعلينا مراجعة سلوكياتنا قبل أن نطرق أبواب الآخرين. فاحترام الخصوصية، وتخفيف الأعباء، والابتعاد عن المقارنات، مفاتيح تعيد لزياراتنا البساطة والدفء.
اكتشاف المزيد من عين الإخبارية
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.