مساعد مدير تعليم سابق يؤبن رفيق دربه درويش الغامدي

فجعت قبيلة غامد عامة حاضرة وبادية كما فًجعت قبيلة بني عبدالله خاصة وفًجع أهالي الظفير وخامس آل محفوظ وأنا أشاركهم الأسى والحزن على فقد رجل من رجالها المخلصين ورائد من رواد التربية ورجل من رجال الإدارة في الإمارة البارزين ومن يُمثل في حقيقته علامة بارزة في محيط البيئة التي عاش فيها   أخي وصديقي وصاحبي بالجنب ورفيق دربي في العمل التربوي والإداري التعليمي الأستاذ القدير  درويش بن غرم الله بن أحمد آل محفوظ الغامدي الذي وافته المنية في يوم السبت 24 /1/1447هـ الموافق 19/7/2025 م  بعد ملازمته السرير الأبيض فترة زمنية ليست بالقصيرة يعاني من مرض عضال ( يرحمه الله ) .

وأمام رغبتي في الكتابة عنه ورصد مشاعري لتبقى في ذاكرة الأجيال القادمة وجدتني أمام صعوبة الكتابة عن الرجال العظماء على قدر المتاعب التي بذلوها في سبيل أداء الأمانة العظيمة التي أُسندت إليهم من أمثال أخي درويش (يرحمه الله) .

بدأت معرفتي به يوم أن جمعتنا ظروف العمل في منطقة الباحة حيث انتقلت من الطائف إذ كنت موجها بها إلى الباحة مساعدًا لمدير عام التعليم بها آنذاك وكان أخي درويش يعمل في الشؤون الإدارية والتوظيف وله مكانة وثيقة ومعرفة إدارية فيها من الإبداع والكفاءة الإدارية ما يليق بمثله ولأنه كريم ومخلص وجدت منه العون والمؤازرة طيلة عملنا في الإدارة ،تشاركنا مع بقية زملائنا في رسالة الحياة نطوع منظومة المعرفة من مناهجها الصافية العذبة لبناء عقول تواقة إلى نور اليقين .

وكانت مرحلة عمل خلاقة ممتعة وفعالة عن قناعة ذاتية بأن الحيوية مطلب ملح تولدها عزائم الرجال وطموح المخلصين وعقول المبدعين المصممين على النجاح ببلوغ الغاية ، مرحلة عملية بصحبة أخي درويش فيها زهوها ولها رياضها داخلنا منها شعور بالرضاء وكانت تجربة بارزة نضج عطاؤها في مسار المشروع التعليمي والخروج به من أسوار المدرسة إلى محيط أوسع كان له صداه في نفوس المجتمع وعلى هذا النحو كانت صحبتنا مع المرحوم ( درويش ) في بيئة العمل.

الأذهان أتحدت والعزائم اتفقت وتصادقنا في رفقتنا لتحقيق الهدف النبيل ، وكان (يرحمه الله) خبير بجغرافية المنطقة الحاضرة والبادية وعلى درجة عالية من المعرفة بسجايا أهلها وطباعهم وسلوكهم لذى كان مدير عام التعليم يستأنس برائيه ويكلفه برئاسة اللجان التي تقوم بمسح المنطقة وتحديد حاجتها من المدارس المحدثة ومواقعها الصالحة للجميع وكانت لدية قدرة عجيبة وعظيمة في كيفية إعداد التقارير ورفعها إلى الوزارة وعند موافقة الوزارة على فتح المقترح من المدارس يكلفه برئاسة لجنة فتح المدارس ويؤدي ذلك العمل بإخلاص وأمانة وقدرة على إقناع المجتمع المحيط بتلك المواقع.

قضينا معًا مرحلة عملية قصيرة في عمر الزمن مترفة بتجاربها برزت ثمارها ونضج عطاؤها وكان تعامل الصديق درويش مع تلك التجارب والخبرات بأنها مخزون طاقة قابلة للعمل الإيجابي الرائع تستدعيه الحاجة إلى المواكبة ويساير تنامي التطلعات ، أقول بأن صحبتنا مع الصديق درويش حفلت بالممتع من الإنجاز نتيجة المحاورة التي أتاحت للأفكار مساحة من الشحذ لتأمين القرار الصحيح في مساحة العمل الجاد وفي المكان الصحيح هكذا كنا نسير باتجاه الأمام في صحبة الزميل (درويش) (يرحمه الله ) .

ثم تفرقت بنا الطرق وغدا كل منا في اتجاه. أنا انتقلت إلى منطقة مكة المكرمة مساعدًا لمدير التعليم بمنطقة مكة المكرمة وأخي درويش عُرفت إمكاناته ومكانته وطلبته إمارة الباحة في عهد سمو الأمير محمد بن سعود للعمل بها وأنتقل من التعليم إلى الإمارة بالباحة وتولى عدة مناصب مهمه منها : عُّين مدير إدارة المستشارين بالإمارة وبدع وأنجز ، ثم عُّين مدير للحقوق العامة بالإمارة وتفنن وأتقن وأحسن. ثم عُّين مدير الإدارة العامة لخدمات المنطقة وكان على درجة واعية من الفهم والتعامل مع المعطيات ، ثم عُّين أمين عام مجلس المنطقة وهنا كان المحك القوي لأهمية الاستفادة من خبراته الإدارية ومعرفته بحاجة المجتمع وقضايا الساعة فأجتهد وعمل بجدارة وكان نصيبة النجاح.

وكُلف (يرحمه الله) أمين عام مجلس إدارة جائزة صاحب السمو الملكي محمد بن سعود (يرحمه الله) لحفظة كتاب الله والسكرتير التنفيذي لها.

وعندما اكتملت قناعات سمو أمير الباحة عن هذا الرجل المعطاء المثابر المجد عينة محافظًا لمحافظة المخواة وكان (يرحمه الله ) رجل إمارة وإدارة من الطراز الرفيع يتقن , فن الإدارة ويحسن مداخلة النفوس واستمالتها واستثارة العزائم وتوظيف الهمم لبلوغ الأهداف النبيلة .ليس المرحوم بالمتكلف ولا ممن يتعاطى مسوح أُبهة السلطة , وبهرجا لمنصب ، رجل طبيعي كنسائم زكية يفوح شذاها من رياض الباحة وورودها .  أنيق الرجولة كأناقة ذلك الجبل الأشم (شدا) الذي يتربع وسط محافظات الباحة

أخي درويش بدوي المنبت حضري النشأة يراوح بين قيم منبته وخلفية نشأته مراوحة من يحسن قطف الثمار الطيبة من أحسن الشجر, يحترم الواجب و يتسامى عن الصغائر مكتسًيا بالعلم والمعرفة والوفاء .

عرفه الناس فأحبوه وتعايشوا معه بالتجربة فقدروه وأنزلوه منزلة الرجال ذوي الأصالة العربية لإنه يكتنز خصائص العربي القح : نقاء في الفطرة ,ونفاذ في البصيرة ,وثقة في النفس , وشموخ في الهمة.  عاش ليكون أنساناً وتربى ليكون نبيلاً صاحب قيم عالية, وصفات سامية فهو مع ذلك صارم حنون. قصته مع الحياة رواية لا تنتهي حبرها العزيمة والطموح وصفحاتها مبادئه ,ومُثله ,وأخلاقه ,أما غلافها الذي يحمي صفحاتها ويحافظ على وجودها ذرية آل محفوظ الأعزاء .

أعطى صورة مضيئة لمعاني الوفاء وعمل بكل إتقان وإخلاص لهذا الوطن. وخلال عملي معه في الباحة وجدته نموذجًا للمواطن الصادق. خبرته واسعة في كثير من الجوانب وقد أكسبته مزيدًا من صواب الرأي وعمق الفكر فهو إنسان عربي جمع بين قيم العبادة والعادة .

النبل فيه نابع من كيانه يظهر بتلقائية وعدم تكلف في تعاطيه المثالي مع المواقف فعلاً ورد فعل. وشمً رائعً في التعامل الإداري ورمز في ذاكرة الرجال الأوفياء.

فهو رجل والرجولة ليست صفة متاحة لكل من يستهويه الاتصاف بها لكنها استعداد وتهيؤ ينتزعها الإنسان من الحياة ويكتسبها من المواقف تحتاج إلى قلب شجاع ,وضمير حي ,وعقل متوهج مستقر ,لكنها ليست مباحه لمن لا يتقن صنعتها ولا يجيد فنها فهو صاحب شخصية فذة ومواقف أخاذة وصفات محمودة فهو في المقياس رجل.

وهبه الله أبناء وبنات عاشوا في مدرسته واستمدوا منه حب المعرفة والنظر إلى ما بعد السمات علمًا وفكرًا ومكانه. منهم من يحمل شهادة الدكتوراة ويعمل في الجامعات ومنهم المحامين ومنهم المهندسين ومنهم المعلمين فأصبحوا رموزًا مقدرة في مجتمعهم سائرين على خُطى والدهم ( يرحمه الله ) ، فهم قناديل مضيئة نفتخر بهم ويفتخر بهم الوطن.

قد تكون شهادتي لصالح أخي درويش (يرحمه الله) مجروحةً بحكم ما يربطني به من الحب والزمالة والتواصل المستمر والصداقة والإخوة المتلازمة.  لكن معرفتي به وثيقة وخبرتي به لصيقة متجردة من الانطباع لأني لا أُعالج تاريخ هذا الرجل بمجرد الانطباع البحت وإنما من واقع  معالجة ذهنية لمواقفة المتميزة.

ليعذرني آل محفوظ إن لم تسعفني اللحظة لتوفيق بين الكلمة وما تحمله من دلالات ذلك لا يعني ارتباك في الاستدلال لكنه ارتباك في الأدوات في إيجاد العبارة والأسلوب لتكفي لترجمتها برؤية ووضوح كما أن المشاعر لا تصدأ بمرور الزمن فهي إن صدقت وهي صادقة يدوم بها منطق الحقيقة وصدق القول.  فإذا كانت الكلمة مسؤولية والشهادة أمانة فإني لا أتردد في القول بأن الزميل درويش (يرحمه الله) وعى مسؤولياته وأخلص لها وأدرك واجبه فتفانى من أجلة , تحيط به مشاعر المحبين من حوله حب بحب ووفاء بوفاء وما جزاء الإحسان إلا الإحسان .  فهو نبيل يساوي أمة في صدقة ,وإخلاصه, وبعد نظر ,ووفائه ,ومحافظته على دينة وقيمه ومبادئه.

أن قصر قلمي عن ذكر وكتابة ما يجب عن مسيرته الحياتية الجليلة, فأن كرم الله واسع وفضله وإحسانه هو الارجى في مكافأته ورفع درجته عنده.

أسال الله القدير أن يجزيه خير الجزاء على ما قدم لأمته ووطنه وأن يرزقه قطف زهور جناته ويسقيه من حوض نبيه ويسكنه دارًا  تضئ بنور وجهه الكريم .

مساعد مدير تعليم مكة الأسبق 

أ . سعد سعيد الحارثي

 


اكتشاف المزيد من عين الإخبارية

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى